• ×

الإعلام الجديد والإرهاب.. سعي للسيطرة على النفوس وتجنيد عقول الشباب

من خلال تكرار اللقطات الوحشية وصور العنف وقطع الرؤوس

-
-
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
صحيفة ميقوع- الرياض:- 
إدمان مشاهدة مقاطع العنف تدفع البعض لتطبيقها وممارسة العنف والوحشية بلا رحمة.

"الحمزة": الإسلام لم يأمرنا باستباحة الدماء الآمنة ولا تصويرها في أوضاع لا إنسانية.

"الهوساوي": الاعتياد على المناظر العنيفة تسبب الإدمان، وقد تصل لحد الاستمتاع بها.

"الشيمي": تكرار مشاهد العنف يتعود معها الفرد على رؤية البشع من الصور فتهون عليه الجريمة.
انتشرت في الآونة الأخيرة صور ومقاطع تُظهر أبشع أنواع العنف والإرهاب الذي يمارسه عدد من الإرهابيين بحجة الإسلام والدين والجهاد، وهي لا تمت للإسلام بصلة، ومع الأسف هناك بعض قنوات ووسائل الإعلام تساهم بطريقة مباشرة وغير مبشرة في نشر تلك الأفكار عن طريق تكرار الصور المرعبة؛ لتصبح فيما بعد صوراً نمطية وعادية يتقبلها العقل البشري والبصري؛ فالإرهاب يبحث عن الأضواء، ويسعى إلى السيطرة على النفوس من خلال نشر وقائع إنجازاته المخيفة، وبالتالي اللجوء إلى فوضى العنف التي تخدم المخططات الإرهابية الدخيلة.

سلّطت الضوء على مفهوم تسلّح الإرهاب بالإعلام لتسويق غاياته؛ فأحياناً من دون قصد، تقع بعض وسائل الإعلام في فخ غايات الإرهاب المقصودة، وتخدم بالتالي أهدافه المرجوّة. وفي هذا السياق الْتَقَيْنا بعدد من الكتاب والإعلاميين والمحللين النفسيين للوقوف على تلك الظاهرة.

جريمة أخلاقية
قال الكاتب الإعلامي والباحث الاجتماعي محمد الحمزة العنف هو آخر خيار في المنافسة، ولا يلجأ له إلا العاجز عن تقديم برنامجه الفكري بشكل سلمي، ويعجز عن الحوار وفنون الإقناع؛ فالقوي هو الذي يلجأ للطريق السلمي وإن طال؛ ولكن النتائج ستكون أكثر ثباتاً مع الزمن، وأكثر انتشاراً، وأكثر ايماناً بها في نفوس الناس المقتنعين بها سلماً وليس قسراً؛ جراء الخوف من الموت أو من قطع الأرزاق".

وأضاف: "استخدام الإعلام حق مشروع لكل صاحب فكر أو برنامج سياسي أو أطروحة فكرية أو دعوة دينية؛ ولكن للإعلام قِيَمه الكبرى التي على الجميع احترامها والعمل بها، ومن ذلك استخدام المشاهد المصوّرة؛ سواء الثابتة أو المتحركة (فيديو)؛ فمن حق المشاهدين احترام مشاعرهم في عرض ما يناسب الذوق العام؛ فعرض مشاهد الدماء وتقطيع الأجساد وبالذات للأطفال والنساء وكبار السن هو جريمة أخلاقية في حق الإنسانية، وكثير من وسائل الإعلام الغربية يترفعون عن عرضها في وسائل إعلامهم، في الوقت الذي تلجأ بعض القنوات العربية إلى التساهل في عرضها سواء في نشرات الأخبار أو في مواقع التواصل الاجتماعي".

وتابع "الحمزة": "طبعاً قد تكون لهم أهداف نبيلة في إقناع الناس بالقضية؛ مثل ما حصل في غزة؛ ولكن أخطأوا الأسلوب الذي يعبّر عن عدم احترام الإنسان الميت، أو الذي ما زال يحتضر تحت الركام، والمشاهد العربي والمؤمن بالقضية الفلسطينية لا يحتاج لمزيد من الصور المأساوية للاقتناع بشرعيتها؛ فالمسألة هي قناعات فكرية وسياسية وإيمان بأهمية الحق الفلسطيني في أرضهم وبلادهم".

استغلال الإعلام للترويج لأفكار متطرفة
وأكد "الحمزة" أن هناك من يستغل الإعلام للترويج لأفكاره التكفيرية والمتطرفة تحت شعارات تحمل نُصرة المظلوم، كما حدث في سوريا والعراق، واستغلوا الظروف القاهرة للناس البسطاء، واستمالة المزيد من المؤيدين؛ بحجة إقامة "شرع الله" وتأسيس "حكومة إسلامية"؛ فتلك مع الأسف دناءة نفس وسوء خلق، لم يأمر به الله ولا رسوله؛ فإذا كان الإنسان عندهم رخيصاً لهذه الدرجة فليعلموا أن الله عز وجل قد رفع مكانته وعظّم من قدره، وبالذات الضعفاء من الأطفال والنساء وكبار السن".

وأردف: "كما تم استخدام الإعلام لترويج القتل المتعمد للأسرى وبشكل يخالف الشرع ويخالف كل المواثيق والعهود الدولية، ويخالف الفطرة الإنسانية في قتل الناس العزّل من السلاح؛ بل ومربوطي الأيدي، قد لا يكون منهم من حَمَل السلاح أصلاً؛ فتلك المناظر المستخدمة تحت شعار "نصرة دين الله" هي شعارات كاذبة يسعى أصحابها لاستغلال عواطف البسطاء والصعود على أكتافهم لمقاليد السلطة والحكم".

لا تمُتّ للقيم الإسلامية بصلة
وأكد "الحمزة" أنه "لم يسجل التاريخ أي نصر لأي طاغية سَحَقَ الإنسان وأراق الدماء بشكل هستيري؛ بل والمصيبة مَن يفاخر بهذا العمل ويعتبره قربى لله! فالله لم يأمرنا باستباحة الدماء الآمنة ولا التشهير بها وتصويرها في أوضاع لا إنسانية، للإعلام قيمه السامية التي انتُهكت بكل بشاعة لأغراض تسلّطية لا تمُتّ للقيم الإنسانية ولا للقيم الإسلامية بصلة؛ بل فيها طغيان على البشر، وبذلك لن تقوم دولة ولن تؤسس حكومة ولن يرضخ الناس بسهولة، وعلى العقلاء مقاومة تلك المناظر البشعة، واستنكارها، والتحدث بصوت عالٍ حتى لا ينخدع الشباب بتلك المجازر البشرية التي تدغدغ عواطفهم باسم الجهاد؛ فالشباب أمانة لدينا، ولهم حق علينا في حمايتهم من أولئك المستغلين لحماستهم".

تؤثر على سلوك الشخص
أما الباحثة الاجتماعية والمستشارة النفسية نوال الهوساوي فقالت مشاهد العنف تؤثر سلبياً على الشخص، وأقلها تجعله يشعر بالإحباط والضعف وقلة الحيلة؛ فتأثيرها على العقل أشبه بالمخدرات والمسكرات؛ لأنها تُغَيّب العقل، وتُعِيق التفكير السليم، وتجعل الفرد يتصرف بانفعالية وعاطفية، بعيداً عن الحكمة والاتزان، وبدلاً من أن يتصرف الشخص بطريقة إيجابية في مواجهة الفتن والشدائد، يصبح في دوامة من ردّات الأفعال السلبية المفتقدة للحكمة، وذات التأثير الضعيف في أحسن الأحوال".

وأكدت أن "هناك العديد من الدراسات تناولت خطر تداول مقاطع العنف والصور الوحشية ومشاهدتها، وأثبتت أنها تؤدي لاعتياد الناس على المشاهد الدموية؛ فلا تعود تُحدِث بهم نفس ردة الفعل مع مرور الوقت؛ حيث تتضاءل وتقل حساسية الشخص مع اعتياده على المناظر، وقد يتحول القلق والنفور إلى إدمان ورغبة في مشاهدة المزيد، قد تصل حد الاستمتاع بها".

وتابعت: "مشاهدة مقاطع العنف لا يؤدي إلى التفكير في العنف فقط؛ بل يؤثر على سلوك الشخص ليتسم بالعنف والغلظة، ويصبح إحساسه بالآخرين أقل، ويفتقد القدرة تدريجياً على التصرف بتهذيب أو ممارسة سلوك مقبول اجتماعياً، وهناك أشخاص قد يصابون بالاكتئاب والقلق والتوتر من مشاهدة العنف قد تصل إلى حد الكوابيس، أو اضطرابات النوم والشرود والعزلة وغيرها من الأمراض النفسية".

وأضافت: "قد يحاول التخلص من هذه الآلام عبر الانتقام والانخراط في الجماعات المتطرفة؛ لممارسة العنف على الآخرين، دون أن يشفي غليله، بعد أن ترسّخ العنف بالذاكرة، ويصبح كالظمآن عبثاً يروي عطشه بالشرب من البحر".

أصبحت وسيلة لتجنيد الشباب
وتقول "الهوساوي": "الخطير في الأمر أن مقاطع الفيديو والصور الدموية أصبحت وسائل لتجنيد الشباب الذين يسهل التغرير بهم وهم تحت وطأة عواطف جياشة؛ مهيئين لغسل أدمغتهم ومستعدين للإلقاء بأنفسهم إلى التهلكة؛ بسبب مشاهد سيطرت على تفكيرهم ووجدانهم. في السبعينيات الميلادية نشرت أبحاث "ألبرت بندورا" عن نظريات التعلم الاجتماعي، وأثبتت ميول الأطفال إلى تقليد ما يشاهدونه، وقد تكررت مؤخراً حوادث ذبح الأطفال لأشقائهم الرضّع بعد مشاهدتهم مناظر ذبح، كذلك حوادث الأطفال الذين حاولوا تقليد مشاهد الانتحار بخنق أنفسهم أو تطبيق ما تعلّموه من مشاهد القتال والحروب، كما أثبتت دراسة "رول هوزمان" أن الأطفال الذين شاهدوا مقاطع عنيفة في صغرهم كانوا أكثر حدة وعنفاً في سن المراهقة، وترتفع نسبة اعتقالهم وسجنهم وانخراطهم في الأعمال الإجرامية وهم في مرحلة الشباب".

ولعل أخطر ما في إدمان مقاطع العنف، هو عندما يصل الشخص إلى مرحلة لا يكتفي فيها بالمشاهدة؛ بل يبحث عن التطبيق وممارسة العنف والوحشية بلا رحمة أو إنسانية، وهذا تطوّر طبيعي عندما يخرج الإدمان عن السيطرة".

وختمت "الهوساوي" كلامها: "أتمنى ألا نُساهم في أشاعة العنف عبر نشر أو مشاهدة مقاطع وصور العنف؛ لتقفْ عندك ولا تمررها بسلبية فتؤذي غيرك وتحقق هدف المجرمين الذين صوّروا فظائعهم كي تنتشر، ولنحترم مشاعر ذوي الضحايا وكرامة الأموات، الأهم قِيَمنا الإسلامية التي تدعو لغضّ النظر عن الفُحش والآثام وحفظ القلب والجوارح من كل ما يؤذي حتى نلقى الله بقلب سليم".

اضطراب سلوكي
وقال الباحث الاجتماعي والنفسي أحمد الشيمي، إن مشاهدة صور ومشاهد العنف بأنواعها المختلفة تجعل الفرد يألف تلك المشاهد ويعتاد عليها، وهذا ما يفسر لنا نظرة الطبيب العادية لجثة مشوّهة دون تأثر؛ فهذا لا يرجع لقسوة الطبيب؛ بقدر ما يرجع لاعتياده على تلك المشاهد؛ مما جعلها تمر عليه بصورة اعتيادية لا تؤثر عليه؛ ولذلك فتلك المشاهد يتعود معها الفرد على رؤية البشع والشاذ من الصور ويألفها؛ فتهون عليه الجريمة والعنف، ويكون بالنسبة له أمراً عادياً ميسوراً".

وتابع: "إن مشاهدة تلك الصور قد ترفع حدة الآثار النفسية؛ مما قد يقود لسهولة ارتكاب السلوكيات العنيفة بيُسر وسهولة تجاه الآخرين، وقد يرى بعض الأفراد -ممن لديهم اضطراب سلوكي- تلك المشاهد والصور تجربة حقيقية يحاول محاكاتها في الواقع الفعلي له، ومن هنا تأتي خطورة عرض أفلام العنف للأطفال؛ حيث يحاكونها ويقلدونها؛ مما يترتب عليه آثار وخيمة".

نتائجه تهدد الأجيال القادمة
وأضاف: "خلُصت دراسة بالولايات المتحدة أجريت عام ١٩٦٩م إلى أن صور ومشاهد العنف في التلفاز تأخذ مساحة ٨٠٪ من خريطة البرامج، وأن هذا زاد بنسبة ٣٠٪ من العنف في الشوارع الأمريكية، وخلصت دراسة أخرى إلى أن الشاب الأمريكي الذي يبلغ من العمر ١٨ سنة يكون قد شاهد ما يقرب من ٤٠ ألف مشهد للقتل؛ ولذلك تجد أن الشخص الأمريكي بهذا السن يطلق النار بشكل عشوائي وسهل على الغير".

من جهة أخرى اعترف ما يقرب من ٨٧٪ من عينة لشباب منحرفين في السجون المصرية، أن السبب في ارتكاب جرائمهم أنهم كانوا يريدون تقليد مشاهد العنف في الأفلام، وقد توصلت تلك الدراسة التي أجراها التليفزيون المصري، إلى أن التلفاز قد ساعد بشكل أساسي على انحراف هؤلاء الشباب؛ حيث علّمهم القتل والسرقة والنصب على الآخرين".

وأردف "الشيمي" أن في فلسطين والعراق وسوريا؛ حيث أصبحت مشاهد العنف عادية ويومية مما يولّد لدى الأفراد عموماً والأطفال خصوصاً عُقَداً، ويولّد أزمات نفسية وظواهر سيئة جداً قد تظهر نتائجه حالياً أم مستقبلاً؛ مما يهدد الجيل؛ بل الأجيال القادمة؛ مما يجعل تلك الظاهرة جديرة بالبحث والدراسة، وأن يتحمل الجميع مسؤولياته في هذا الشأن، والتقصير في تلك المسؤوليات من أهم أسباب انتشار العنف والدمار الذي قد لحق بمجتمعات كانت آمنة".
**
شارك مع من تحب(:
** ::.
::- ::. :-:
:-:
 0  0  228
التعليقات ( 0 )

حتووم ديزاين , ديموفنف , انفنتي , مصمم حتوم , مصمم حاتم غبن , تصميم استايل ديموفنف , مختص ديموفنف , h7d7 , hatoom , حتوم , حاتم غزة , حاتم فلسطين , مطلوب تصميم استايل ديموفنف
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 08:02 صباحًا الأحد 4 مايو 2025.