المؤلف: الدكتور عماد الدين خليل


المترجم / المحقق: غير كائن


الناشر: دار ابن عديد


الطبعة: 1426 هـ / 2005 م


عدد الصفحات: 120

حول الكتاب

يوما.. أخبرنى صديق أديب : إن علي أن أكف عن قول الشعر، وأن أنصرف إذا أردت أن أكون جدية للكتابة في الفكر والمنهج والنقد والتاريخ .. كان يمكن أن تكون نصيحته فرصة للخروج من دائرة العذاب، وأنا لازلت أذكر ساعات الاحتراق العويصة تلك التى كنت أجتازها حينما كنت أكتب تلك القصيدة أو تلك .. فى حين في المجالات الأخرى لم أكن أعاني عشر معشار ذلك الذي كنت أعانيه في دائرة الشعر .. لكنه الهاجس ذلك الذي يضغط على الجملة العصبية للإنسان، ويرغمه إرغاما على تجربة الدخول إلى المملكة تلك التى لا تفتح أبوابها بيسر للطارقين.
نصيحة صديقي الأديب كان يمكن كذلك أن تكون تحديا واستفزازا .. وقد اخترت الثانية، وقررت أن أجرب كرة أخرى .. غير متكلف قول الشعر تلك المرة .. فلم أكن أنا ذلك الذي أستدعيه، ولكنني أتركه لكي يستدعيني ..وحينذاك يمكن أن يصير الإبداع الشعري دفقا عذبا، أو عذابا متدفقا لا يتعسر فيه المخاض، وتتولد في معاناته الأبيات أكثر يسرا، وأقدر على حمل الخطاب والتحقق بمطالبه الفنية..
استهوتني الحالة الحديثة هذه، وهي بالطبع أكثر انسجاما وتوافقا مع طبيعة العمل الشعري، فكنت أنتظر السنة والسنتين لأكتب قصيدة أو اثنتين..
لكنني في شتاء عام 1991 م وجدت النداء يزداد إلحاحا، وخفقان الشعر ينبض بعنف في القلب والدم والوجدان .. فاستجبت للنداء، متذكرا صديقي ذاك .. وكتبت الكثير من القصائد .. واستطعت كذلك أن أنفط ما كنت أحلم به : الرباعيات تلك التى تتدفق بعفوية لكي تجعل الشعر قبالة كل شيء مؤثر أو فاتن في ذلك الوجود .. حالة من التوافق الكوني العذب ذلك الذي أراد ذلك الدين أن يضع الإنسان فيه..
أغلب القصائد الأخرى كانت إبحارا في الاتجاه نفسه .. تداعيات روحية، وخطاب وجداني للمؤمن المتغرب في ذلك العالم، والذي يكافح لأجل الخلاص .. مؤملا اليوم ذلك الذي يتناظر فيه كل شيء ويلتقي أسفل خيمة المحبة في الله .. حيثما يصير كل كائن في ذلك العالم متوجها إليه متفيئا ظله الظليل ..
قصائد قليلة تعاملت مع تلك المفردة أو تلك، من مفردات الحدث العام أو الخبرة الذاتية، لكنها هي الأخرى آلت في اخر الأمر إلى الساحة نفسها تلك التى أريد للديوان بالكامل أن يتشكل بحيثماتها..
ليس ثمة في المنظور الإسلامي للإبداع تجزؤ أو انفصال .. هنا حيثما تزول الفواصل وتنهار الجدران، وتصير كل خبرة أو تجربة رافدا يصب في النهر الواحد الآيل إلى الله !
أحيانا تكون تلك واحدة من أكثر الملامح أصالة في الشعر الإسلامي.. فإذا كان ديواني المتواضع ذلك قد عبر عنها بقدراته المحدودة، ونفذ قدرا من المقاربة لمطالبها، فإنه يكون ربما حقق مهمته تلك التى تشكل من أجلها .. وهذا حسبي ..